مسارات على خطى الأجداد
إعداد التقرير عبدالله بن مرهون العلوي
مسار حارة الوقبة القديمة الغارب وال
مع بداية بزوغ الشمس نتأهب للانطلاق في مسار آخر من مسارات الآباء والآجداد التي سلكوها قديما للتنقل بين القرى ، والمناطق المختلفة للسعي في الرزق والتواصل الاجتماعي ، ونبدأ مسارنا من قلب الوقبة النابض ( حارة الوقبة القديمة ) ، وفي مخيلتنا نرسم الموقف الذي عاشه أجدادنا في تلك الحقبة الزمنية .البيت الصغير المتكون من الصفة ، والجنز والحظيرة الصغيرة ، ودلة القهوة التي تفوح منها رائحة القهوة ، ومحماس البن والسكك الجميلة ، والمنظمة بين بيوت الحارة ،وصباح الخير التي تسمعها تخرج من كل بيت يمشون بجانبه ومن الذين يلتقون بهم في السكة ، والسكك المتفرعة من الحارة ، والكل ينطلق بهمة وحماس للجهة المقصودة فمنهم من يتجه للجبال بحثا عن العسل ، ومنهم من متجه للمزارع ، وآخرين للاحتطاب .
نسير في سكة العاقول تغطينا النخيل وأشجار المانجو والليمون، وبذاكرتنا نسترجع سنوات طفولتنا، ونحن نصبّح على ساكني المقاييض، ونشم رائحة الخبز الذي تعده أيادي أمهاتنا ، وضحكات الأطفال وخرير ماء فلج العاقول ، ويتراءى لنا البخار المتصاعد من فلج الحيل الدافئ في فصل الشتاء، والنساء اللاتي يردن الفلج وعلى رؤوسهن الجحال لنقل الماء لبيوت الحارة.
نمشي بجانب ضاحية البحير وضاحية المضيربة لنطل على العوابي الزراعية بمزارع العاقول المتنوعة المحاصيل، يجذبنا جمال المزروعات الشتوية المتنوعة بين الطماطم، والخس والثوم والبصل، وبين زراعة القت (البرسيم)، والبر وغيرها من المحاصيل المتنوعة.
نسلك طريق المزارع لنطالع همم الآباء والأجداد، ونستحضر في مخيلتنا مشاهد مضى عليها عشرات السنين. تعود بنا الذاكرة لنرى من يحرث الأرض، ومنهم من يسقي، وأخر ينظف النخيل ومجموعة أخرى يجلسون في أماكن مقتطعه من بعض الأراضي والضواحي للاستراحة ولانتظار الدور للسقي، أو للمساعدة في أعمال الزراعة، وعمل السعفيات وحبال الليف والخوص، وبجانبهم دلة القهوة والتمر.
يقابلنا مجرى الغارب وهو مسارنا الذي سنسلكه للوصول إلى قرية (وال). نستفيق من ذكريات الماضي الجميل فقد عشنا خلال المسافة التي قطعناها من حارة الوقبة القديمة، وإلى مدخل الغارب جزء من ذكريات حياة أجدادنا وآبائنا القديمة والتي بقيت أماكنهم، ومعالم إنجازاتهم تذكرنا بماضينا الجميل. كم نسعد ونستريح عندما نسلك هذه المسافة التي لا تتعدى الكيلومترين، ففيها حياة جهد، وكفاح بُذل على مدار مئات السنين.
الحال لا يختلف بنا ونحن نسلك مجرى وادي الغارب، فلا يزال يتبادى لنا ملامح أجدادنا وآبائنا. فأثر الطريق الذي سلكوه صامد رغم مر السنين، وتغير الأحوال، نستذكر كل موقع نمشي به نشاهد غور سدرة الزروب وقد يبست معظم أشجار السمر والسدر من مجراه. لقد ألفت هذا الموقع منذ الصغر ولظروف الحياة لم أسلكه منذ عشرات السنين. نواصل المسير ليقابلنا غور القطاري، وغور العوينة وهو مقصد من يسلك هذا المسار للتزود بالماء من العين التي توجد به، وغور الراعل.
مهما طال بك المسير بمجرى وادي الغارب فلا تقلق فأشجار السدر، والسمر المعمرة لا تزال تحنو على سالكيه فظلها يحتوينا للاستراحة، والاسترخاء كما عملت مع أجدادنا قبلنا، يتيح المجرى لك تمعن المناظر الخلابة المبدعة، كالسلاسل الجبلية الشاهقة، والكهوف المطلة على المجرى، وبعض الحيوانات البرية التي تقف على قمم الجبال مستغربة منا. فقد ألفت المكان منذ سنوات عديدة دون أن ترى أحد، أو تسمع أصوات تجذب أنظارها وانتباهها.
نقترب من عقبة (الغارب) ورغم ارتفاعها إلا إننا لا نهابها فأجدادنا سلكوها قديما ولا بد من وجود طريق لصعودها وبالفعل نجد الطريق ولا تزال بعض معالمه واضحة نتتبع أثره صعودا لنصل إلى قمتها ننظر للخلف لنرى كامل المسار الذي قطعناه وكأنها تعطينا لمحة كاملة عن مسارنا لنختزله في ذاكرتنا ونحكيه يوما لأبنائنا.
بعد أخذ استراحة قليلة والتمعن في السلاسل الجبلية المحيطة بنا، والمسارات العديدة الموجودة أسفل الجبل، فهناك مسار جبلي ينقلك إلى قرية حالي، ومسار أخر ينقلك إلى وادي عاهن، ومسارنا المقصود. نستعد للنزول بالطريق القديمة إلى أن نصل أسفل الجبل وتقابلنا شعبة تسمى شعبة الغضفة نسلكها ونناظر كثافة أشجار السدر والسمر والغاف وأشجار الشوع والقصد في مجراها.
نستعد لصعود الجبل الذي يفصلنا عن قرية وال من خلال الغور المسمى بغور عتمه، ورغم وعورته نوعا ما عكس الجبل السابق إلا أن تحقيق هدف الوصول يدفعنا للمغامرة والتحدي، ومع التشجيع والبحث عن أماكن أسهل نصل قمة الجبل ونشاهد قرية (وال) تتبادى لنا. ننزل من خلال غور البدع والغور هو: المجرى المائي الصغير المنحدر من أعالي قمم الجبال ليصب في مجرى الوادي. نصل في ختام مسارنا قرية وال ونستريح تحت ظلال أشجار السدر الزاهية بعد قطع مسافة تقارب 12 كم من حارة الوقبة القديمة إلى قرية (وال) عشنا خلاله جزء بسيط من حياة أجدادنا وآبائنا فالهدف من هذه المسارات معايشة حياة الماضي وصعوباتها وتحدياتها.
About The Author
